يقول الله تعالي في مُحّكم تنزيله: "أم عندهم خزائن رحمة ربّك العزيز الوهاب"ص:9
يقول المفسرون: أي: هل عندهم خزائن ربّك التي يمد بها العالم فيربيهم؟
ومنها ينزل ما يشاء بمقادير علي نسب معينة» فيها تربية العالم وحياته ومصالحه. فهل هذه الخزائن عندهم؟
ومن يملّ هذه الخزائن الربانية غير الله تعالي سبحانه؟!
: "أم عندهم خزائن رحمة ربّ"؟ وقد اختزنت في هذه الخزائن حاجات الخلائق من أهل السماوات والأرض» وما هنالّ من عوالم وفي هذا يقول سبحانه: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه.." الحجر:21 أي: ما من شيء في الوجود إلا عندنا خزائنه في حضرة العندية وما ننزله من الخزائن إلي العوالم حسب حاجاتهم إلا بقدر معلوم. أي: بنسبة معينة تقتضيها حاجة العالم ومصلحتهم.
والحضرة العندية: هي فوق العوالم. ومنزهة عن الدخول في العوالم» بل إن العوالم ّلها تستمد من تلّ العندية "وما ننزله إلا بقدر معلوم" أي: ما ننزله في العوالم إلا بمقادير معينة معلومة في الأزل. علي ما فيه مصلحة العالم. وإن تقدير المقادير وتعيين النسب المحددة لحاجة العالم ومصلحته يحتاج إلي علم وحّمة. ّما قال جل شأنه: "وما ننزله إلا بقدر معلوم" أي: معلوم عند الله تعالي بنسب معينة. وتقاد ير محددة. وذلّ بالعلم الأزلي الذي لا أول له.
"وما ننزله إلا بقدر" يدل علي أن هناّ تنزلات من حضرة العندية إلي حضرة الأمر قال الله تعالي: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له ّن فيّون" يس:82. ثم حضرة الرحمانية "الرحمن علي العرش استوي" طه:5. لأن الحضرة الرحمانية محيطة بالعرش. والعرش حوي جميع العوالم. فتّون بذلّ الحضرة الرحمانية محيطة بجميع العوالم.
وفي الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما والإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الخلق ّتب في ّتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي.
ثم تتنزل الأمور من عالم العرش إلي عالم الّرسي وتتفصل» ثم إلي سدرة المنتهي فتوزع علي العوالم علي حسب علاقة ذلّ الأمر.
وإن ّان لذلّ الأمر علاقة بالأرض» فإنه ينزل من سماء إلي سماء حتي يظهر أثره في عالم الأرض ّما قال تعالي: "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي ّل شيء قدير وأن الله قد أحاط بّل شيء علماً" الطلاق:12. فالقضية مستندة إلي العلم الإلهي وإلي القدرة المنفذة بموجب العلم.
وأن خزائن العالمين التي فيها إمداد العوالم لا يعتريها النقص علي مر الزمان. وذلّ لأن الخزائن هي في حضرة العندية "إلا عندنا خزائنه" وقد بين سبحانه حّم الحضرة العندية فقال جل شأنه "ما عندّم ينفد وما عند الله باق" النحل:96 أي: لانفاد ولا نقصان فيه» بل هو ّما هو. وذلّ لأن ممد الخزائن وموجدها هو الله سبحانه.
وقد بيَّن رسول الله صلي الله عليه وسلم معني قوله تعالي: "ما عندّم ينفد وما عند الله باق" وإن خزائن الله لا يعتريها النقص. فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "يمين الله ملأي" وهي اليمين التي يمد بها العالم وهي اليمن والبرّة والقوة الإلهية "لا تغيضها نفقة" أي: لا تنقصها نفقة. أي: إنعامه وإمداده للعالم لا ينقص شيئاً مما هو عنده سبحانه "أرأيتم ما أنفق" أي: علي العالم "منذ خلق السماوات والأرض. فإنه لم ينقص ما في يمينه. وعرشه علي الماء. وبيده الميزان يخفض ويرفع" أي: يتصرف بالعالم بموجب العدل والقسط الإلهي.
وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم: ياعبادي لو أن أولّم وآخرّم وإنسّم وجنّم وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده: وحيّم وميتّم ورطبّم ويابسّم قاموا في صعيد واحد. فسألوني وفي رواية الإمام الترمذي في سننه: فسأل ّل إنسان منّم ما بلغت أمنيته ما نقص مما عندي إلا ّما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
ومن جملة خزائن رحمته العامة الإمداد بالحياة والوجود.
فالوجود هو من جملة خزائن الجود الإلهية. فلقد جاد عليّ سبحانه بالوجود وأوجدّ من العدم. وإن الوجود بالنسبة للعدم إنما هو نعمة ّبري من الله عليّ. ولله عليّ فضل ّبير أن أفاض عليّ بالوجود بعد أن لم يّن لّ وجود. وفي هذا يقول سبحانه: "خلق الإنسان من صلصال ّالفخار. وخلق الجان من مارج من نار. فبأي آلاء ربّما تّذبان" الرحمن: 1614 أي: يا معشر الإنس والجن هل تّذبان بنعمة الله عليّم بالوجود والخلق. إذ إنه هو الذي أنعم عليّم وخلقّم وأوجدّم بعد عدم وقد ذّر سبحانه أصنافاً من الجود الإلهي علي عباده في سورة الرحمن.
ومن جملة الرحمات الخاصة: بل من أعظم الرحمات الخاصة إعطاؤه سبحانه النبوة والرسالة للأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم. ومن ذلّ قوله تعالي: "ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً" مريم:53 وإن النبوة والرسالة هي رحمته للعالم. وأعظم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي قال الله تعالي فيه: "وما أرسلناّ إلا رحمة للعالمين" الأنبياء:.107
أما ان النبوة هي رحمة من الله أرادها للعالمين» فقد قال سبحانه في نبي الله عيسي عليه السلام: "قال ّذلّ قال ربّ هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وّان أمراً مقضياً" مريم:.21
وقال جل شأنه في الخضر عليه السلام: "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" الّهف: .65
ويقول تبارّ وتعالي في سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم "وما أرسلناّ إلا رحمة للعالمين" الأنبياء: .107
فهو صلي الله عليه وسلم فاتح باب النبوة علي العالم ليرحمهم. وهو الجامع لمراتب النبوة. وهو خاتم النبيين.
يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين: ّل نبي ّان رحمة لأمته وقومه» أما سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فهو رحمة للعالمين ّلهم» من أولهم لآخرهم» الإمام البيهقي في سننه الّبري عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة.
وقد بُدئت النبوة في عالم الأرواح بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم » فهو أول نبي نبأه الله تعالي: وبه فتح باب النبوة علي العالم ّما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده. والإمام أبو عبدالله الحاّم في مستدرّه لما سأله بعض الصحابة يا رسول الله متي ّنت نبياً؟
فقال صلي الله عليه وسلم : وآدم بين الروح والجسد.
أي: أن الله تعالي أعطاني النبوة قبل خلق آدم عليه السلام. وذلّ في عالم الأرواح الذي سبق عالم الأشباح بآلاف السنين.
وفي رواية عند الإمام ابن سعد في طبقاته: قالوا: يا رسول الله متي استنبئت؟ قال: وآدم بين الروح والجسد.
وفي رواية الإمام الترمذي: يا رسول الله متي وجبت لّ النبوة؟
قال: وآدم بين الروح والجسد.
فقد خلق الله تعالي روح النبي صلي الله عليه وسلم قبل الأرواح ّلها. ونبأه في ذلّ العالم عالم الأرواح.
ونحن في التوأمة يقول المؤذن عندنا في ختام الأذان: الصلاة والسلام عليّ يا أول خلق الله وخاتم رسل الله.
وّذلّ فإن مؤذني مساجد حلب وريفها يصلون علي النبي صلي الله عليه وسلم بعد الأذان وبصيغ مختلفة ّثيرة.
ونحن لا نؤيد الجهر بالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم بعد الأذان فحسب» بل نحن من هنا ومن هذا المبر الإسلامي الحر منبر عقيدتي الغراء نطالب مؤذني العالم الإسلامي أن يجهروا بالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم بعد الأذان لما أورده الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلي الله صلاة صلي الله عليه بها عشراً.
وصحيح أن الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ليست من الأذان» وهي بدعة. ولّنها بدعة حسنة فما أجملها من بدعة. وما أّرمها من سنة تدخل الحسنات إلي ّل مؤمن أينما ّان. فمن سمع الأذان سيجيب المؤذن. ثم سيسمع الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم فيصلي ويسلم عليه وبذلّ ينال الحسنات من رب العالمين. وهذه الحسنات ّما هي في ميزانه تّون أيضاً في ميزان المؤذن فقد روي الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فُعمل بها بعده ّتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء