يقول الله تعالي في محكم تنزيله: "فاعلم أنه لا إله إلا الله..".. "محمد:19
إن كلمة لا إله إلا الله لها فضائل وأسرار وأنوار. فهي كلمة التقوي
وهي كلمة الإيمان. وهي كلمة الأمان. وهي كلمة الإسلام. وقد كتبها الله
تعالي علي جميع ذرات الموجودات. و علي صفحات العرش. وعلي جوانب الكرسي.
وأطراف السماء والأرض. وعلي أوراق الأشجار. وعلي أمواج البحار. وعلي كل شئ
موجود.
يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين: لقد خصص الله سبحانه قلب
المؤمن علي سائر الموجودات بأن كتب سبحانه بنفسه علي قلب المؤمن لاإله إلا
الله بهذا الشرف الأكبر» وفي هذا يقول جل شأنه: "... كتب في قلوبهم
الإيمان وأيدهم بروح منه...".. "المجادلة:22"
وأن أول الإيمان. وأصله هو لاإله إلا الله» فقد روي الشيخان البخاري
ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع
وسبعون شعبة فأفضلها أي: أولها وأصلها قول لاإله إلا الله وادناها اماطة
الأذي عن الطريق. فموضع لا إله إلا الله من الإنسان هو القلب. وهي النواة
الأولي التي نزلت في قلب المؤمن كما قال حذيفة بن اليمان كاتم أسرار رسول
الله صلي الله عليه وسلم حدثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حديثين قال
حذيفة: أما أحدهما فرأيته. وأما الآخر فلم أره وأنتظره.
حدثنا أن الأمانة أي الإيمان نزلت في جذر قلوب الرجال. ثم نزل القرآن. فعلموا من الكتاب. وعلموا من السنة.
أي: إن الإيمان نزل في أصل القلوب ثم نما وزاد وقوي بالكتاب والسنة
النبوية المطهرة. وإن كلمة لاإله إلا الله تطالب قائلها أن يعمل بمعناها
ومقتضاها. وذلك بأن يعبد الله حقاً. وإن من عبد الله تعالي كما أمره فهو
يحقق معني قوله: لا إله إلا الله. ويطبق مقتضاها عليه. فعندئذ يقوي إيمانه
ويزداد. وإن ما يقوي الإيمان في القلب الإكثار من كلمة: لا إله إلا الله.
وإلي هذا نبه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كما روي الإمام الطبراني في
المعجم الكبير. والحاكم النيسابوري في مستدركه: عن عبدالله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن الإيمان
ليخلق أي: ليبلي في جوف أحدكم كما يخلق الثوب. فسلوا الله تعالي أن يجدد
الإيمان في قلوبكم.
أي: إن من لم يتعهد إيمانه بالتقوية والتجديد فإن الإيمان في قلبه
معرض للنقصان والبلي. وأما تجديد الإيمان فهو كما ذكر الإمام أحمد في
مسنده أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: جددوا إيمانكم.
قالوا: يا: رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟
قال: أكثروا من قول: لا إله إلا الله.
وروي الإمام الترمذي في سننه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما
قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء» حتي يفضي
إلي العرش» ما اجتنبت الكبائر أي إن لا إله إلا الله تشفع لقائلها عند
الله إذا كان قائلها مخلصاً فيها وما لم يحجبها حجب من الكبائر.
وروي الإمام البزار في مسنده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن
لله تعالي تبارك وتعالي عمود من نور. فإذا قال العبد: لا إله إلا الله.
اهتز ذلك العمود فيقول الله تبارك وتعالي: اسكن.
فيقول: كيف أسكن ولم يغفر لقائلها؟
فيقول الحق تبارك وتعالي: إني قد غفرت له.
فيسكن العمود عند ذلك.
والإمام البزار هو الشيخ الإمام. الحافظ الكبير. أبو بكر. أحمد بن
عمرو عبدالخالق. البصري. البزار. صاحب المسند. توفي سنة "292" عن عمر
يناهز الثمانين عاماً وهذا لأن لا إله إلا الله هي نور السموات والأرض.
وهي نور العرش. فمن قال: لا إله إلا الله» اتصل نورها بذلك العمود
النوراني الذي هو بين يدي العرش. ولم يسكن حتي يغفر لقائلها.
وإن المؤمن يعلو ويسمو ويرتقي كلما ازداد علماً بلا إله إلا الله.
وعلوم لا إله إلا الله لا تتناهي. وإن أهل الجنة يرتقون كلما ازدادوا
علماً بها. وهذا لأن معني: لا إله إلا الله تتعلق بالله سبحانه الذي لا حد
له ولا نهاية. وإن جميع العلوم من حلال وحرام وأحكام ومعاملات إنما تنتهي
بانتهاء عالم الدنيا أما العلم بلا إله إلا الله فهو باق ببقاء الله
سبحانه الباقي.
هذا هو العلم الذي يصحب المؤمن ويدوم معه. ويخلد إلي ما لا نهاية.
وقد أمر سبحانه بطلب الزيادة من هذا العلم. وهو العلم بلا إله إلا
الله فقال جل شأنه: "... وقل رب زدني علماً" "طه:114" أي علماً بك يا رب.
ومن فضائل لا إله إلا الله نيل الشفاعة من سيدنا محمد صلي الله عليه
وسلم. فقد ورد في صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أبا هريرة لقد ظننت ألا
يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك» لما رأيت من حرصك علي الحديث أسعد
الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو
نفسه .
أي من قال: لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها» أي: عبدالله حق العبادة.
وإن كلمة لا إله إلا الله سبب الإيمان فقد أورد العلامة علاء الدين
علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري في كتابه الموسوعي "كنز
العمال في سنن الأقوال والأفعال" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
ليس شئ أكرم علي الله تعالي من المؤمن.
وأعظم الخلق إيماناً هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. فهو أكرم
الكرماء علي الله تعالي كما أورد الإمام الترمذي في سننه أن رسول الله صلي
الله عليه وسلم قال: أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر.
ومما يذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوماً في
بيت الله الحرام فنظر إلي الكعبة المشرفة ثم قال: ما أعظمك وأعظم حرمتك
والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وما ذلك إلا للإيمان الذي وضعه الله عليه. وهذا النور الذي أيده الله
تعالي به. وليفرح وليستبشر به بقول الحق جل شأنه: "قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" "يونس:58" يقول المفسرون: قل: أي يا
محمد للعباد المؤمنين "قل بفضل الله" عليكم فبذلك فليفرحوا هو خير مما
يجمعون" بالإيمان كما قال سبحانه: "... ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما
زكي منكم من أحدي أبداً...""النور:21" وقوله تعالي: "وبرحمته" أي بعث فيكم
الرحمة العامة وهو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي يقول الحق تبارك
وتعالي عنه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" "الأنبياء:107".
وقوله سبحانه: "فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" من أموال الدنيا
وحطامها. وقد أخبر سبحانه أنه يعطي أهل الجنة بسبب إيمانهم عطاء بغير
حساب. لأن قيمة الإيمان لا تدخل تحت حساب الحاسبين.
فليحمد المؤمن ربه علي نعمة الإيمان التي أنعم الله بها عليه. بأن
جعله من أمة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وليسأل ربه أن يميته علي
الإيمان. ويبعثه علي الإيمان» ليكون من أهل الأمان.