يقول الله تعالي في محكم تنزيله: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون" "النمل: 62"
والمضطر: هو الذي انقطعت به الأسباب. ووقع في الضرورة والاضطرار. ولجأ بكليته إلي مغيث يغيثه. فمن الذي يجيب هذا المضطر؟
إن المضطر يجد في قلبه توجهاً نحو مغيث يغيثه. وهو لا يراه بعينه. والمؤمن يوقن أن هذا المغيث هو الله تعالي. وأما الكافر الجاحد فهو يجد. في قلبه توجهاً نحو مغيث يغيثه. وأملاً كبيراً في كشف الضرعنه. ولكنه لا يعلم من هو هذا المغيث!
وأنت أيها القارئ الكريم قل للكافر الجاحد: هذا هو الله تعالي الذي أنكرت وجوده. وجحدت نعمه.
هذا هو الله تعالي الذي أشركت معه معبوداً آخر لا يضر ولا ينفع.
لقد لجأت - إليه وقت الشدة والاضطرار: فكيف تنكر وجوده وكيف تجحد نعمه وكيف تشرك به. وقد لجأت حقيقتك وذاتك وقلبك إليه سبحانه؟!
وقد وردت كثير من الوقائع التي تثبت أنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه فقد أورد الإمام ابن كثير في تفسيره ما رواه الإمام ابن عساكر - ابن عساكر هو: علي بن الحسن بن هبة الله ولد في دمشق سنه "499" مؤرخ كبير من أشهركتبه "تاريخ دمشق". صحب السلطان العادل نور الدين محمود زنكي. توفي ابن عساكر في دمشق سنه "571" للهجرة وكانت جنازته حاشدة تقدمها السلطان صلاح الدين الأيوبي. بسنده أن رجلاً مؤمناً - في عصر السلف الصالح - كان يعمل علي بغلة له بين دمشق والغوطة - غوطة دمشق تحيط بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب يتخللها نهر بردي. وهي بساتين غناء من أشجار الفاكهة تعد من أخصب بقاع العالم - فجاءه رجل وطلب منه أن يحمل له. ففعل. وهما في الطريق طلب منه الرجل أن يغير طريقه زاعماً أنه أقرب فلما فعل وقطع مسافة معينة نزل الرجل وأرغم صاحب البغلة علي النزول وأراد قتله. ونظر الرجل الصالح فرأي وادياً وفيه قتلي. فقال للرجل: خذ المال والبغلة ودعني وشأني.
فقال الرجل: لابد من قتلك
فقال له صاحب البغلة: دعني أصلي.
فقال الرجل: صلي فإنك بعدها مقتول لا محالة.
فلما دخل الرجل الصالح في الصلاة أغلق عليه فنسي كل شئ ماعدا قول الحق سبحانه: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه.."
وبينما هو كذلك أقبل رجل علي فرس وبيده حربة. فصاح صيحة ارتج لها الوادي وانخلع منها قلب الرجل الظالم ثم طعنه فقتله. فتعلق الرجل الصالح بأذياله وقال له: بالله عليك من أنت؟
قال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه.
وروي بن أبي الدنيا في كتابه مجابي الدعوة - وهو أبو بكر عبدالله بن محمد ابن عبيد ابن سفيان بن قيس. القرشي. الأموي البغدادي. صاحب التصانيف المشهورة. مؤدب أبناء الخلفاء: ولد سنة "208" وتوفي سنه "281" هجرية - عن الإمام الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: كان رجل من الأنصار تاجراً. يقال له أبو معلق كما في الإصابة. لصاحبه الإمام الحافظ أحمد بن علي حجر العسقلاني - في باب الكني. فكان يذهب في الآفاق. فذهب في طريقة فلقيه لص وأراد سلبه وقتله. فاستأذنه أن يصلي فأذن له. فقام فصلي أربع ركعات. ودعا في سجوده الأخير: يا ودود يا ذا العرش المجيد. يا فعالاً لما يريد. أسألك بعزك الذي لا يرام. وبركنك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك: أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني. يا مغيث أغثني. يا مغيث أغثني.
فإذا بفارس أقبل علي فرس. ورمحه ملقي عرضاً علي أذن الفرس. حتي لا يري فصاح به. فظنه اللص أنه أعزل. لاسلاح معه - فلما دنا منه رماه برمحه فقتله.
فقال الأنصاري لذلك الفارس: أنشدك الله من أنت؟ ومن أين جئت؟
فقال: إني ملك من أهل السماء الرابعة. لما دعوت سمعت لأبواب السماء قعقعة. فلما دعوت ثانية. سمعت لأهل السماء ضجة. أي اهتمت الملائكة بالأمر - ثم دعوت ثالثاً فقيل: دعاء مكروب. فسألت الله تعالي أن يوليني قتله. ثم أردف يقول: أبشر. واعلم أنه من توضاء وصلي أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له. مكروباً كان أو غير مكروب.
يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين في قوله تعالي: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه.." متي صح التوجه حالة الاضطرار أجاب الله دعاء المضطر.
وورد في مسند الإمام أحمد بن حنبل. وفي سنن الإمام الترمذي كما ورد في الإصابة أيضاً حيث عزاه للإمام ابن خزيمة في صحيحه - وهو الحافظ الحجة الفقية شيخا لإسلام. إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري. الشافعي المذهب. صاحب التصانيف ومن أشهر كتبه: صحيح ابن خزيمة ولد سنه "223" هجرية وعني في حداثته بالحديث والفقه. حتي صار يضرببه المثل في سعة العلم والاتقان. وتوفي سنة "311" هجرية - أسلم عمران بن حصين رضي الله عنه قبل والده حصين بن عبيد بن خلف - فعن مطرف بن عبدالله بن الشخير - وهو من كبار التابعين كان من أصحاب عمران بن حصين. وكان مجاب الدعوة وكان يقول: ما أوتي أحد أفضل من العقل. وعقول الناس علي قدر زمانهم. وقال: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله: هذا عبدي حقاً. وقال: إذا دخلتم علي مريض فإن استطعتم أن يدعو لكم فإنه قد حرك - أي قد أوقظ من غفلته بسبب مرضه - فدعاؤه مستجاب من أجل كسره ورقة قلبه - قال مطرف: أرسل الي عمران بن حصين في مرضه فقال: إنه كانت تسلم علي - يعني الملائكة - فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث به إن شئت. وكان حصين ذا وجاهة وزعامة في قومه فجاء المشركون إلي حصين وقالوا له: أذهب بنا إلي محمد - صلي الله عليه وسلم - وكلمه أن يكف عن سب آلهتنا.
فذهبوا معه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم واستاذنوا فأذن لهم وكان حصين رجلاً مسناً. وكان ابنه عمران في مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم وقتئذ. فلما دخل حصين بينما جماعته ينتظرونه علي الباب. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أوسعوا للشيخ - والشيخ هنا ليس العالم الجليل في عرف مصر والشام. ولا الأمير في عرف السعودية ودول الخليج - بل هنا أطلق رسول الله عليه وسلم هذه التسمية علي حصين لأنه كان مسناً. فدخل وجلس ولم يعره عمران اهتماماً ولم يسلم عليه ولم ينظر إليه. فقال حصين: يا محمد بلغنا أنك تسب آلهتنا.
فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ياحصين كم تعبد من إله؟
قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء.
قال: فإذا أصابك الضر من تدعو؟
قال: الذي في السماء
قال: وإذا هلك المال من تدعو؟
قال: الذي في السماء
قال: فيستجيب لك وحده وتشركهم معه؟ أرضيته بالشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟ أي : هل ترضي أن يكون شكرك له بأن تشرك معه غيره أم تخاف من الأصنام أن يمسوك بسوء؟
فقال: ولا واحدة من هاتين. أي: أنا لا أخاف أذي الأصنام. ولا أرضي من نفسي أن أشكر الله الذي يجيبني وأجعل معه آلهة.
فقال صلي الله عليه وسلم: يا حصين أسلم تسلم
فقال: إن لي قوماً وعشيرة - أي: إن أسلمت فإن ورائي قوماً يتبعونني. فإن أسلمت فقد تزول زعامتي عليهم
فقال صلي الله عليه وسلم: قل: اللهم إني أستهديك لأرشد أمري. وزدني علماً ينفعني.
وعند الإمام الترمذي: اللهم ألهمني رشدي. وأعذني من نفسي. أي: حتي لا تكون نفسه وشهواتها مانعة له عن الايمان بالله تعالي.
فدعا حصين بما علمه رسول الله صلي الله عليه وسلم فما لبث أن قام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقام ابنه عمران فقبل رأس والده ويديه ورجليه. فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يبكي. فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله؟
قال: بكيت من صنيع عمران. دخل حصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران. ولم يلتفت ناحيته. فلما أسلم قضي حقه. ودمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وسلم عطفاً وحناناً.
ثم قام حصين: فقال صلي الله عليه وسلم: قوموا فشيعوه إلي منزله.
أي: ودعوه لكبر سنه وزعامته في وقومه. فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكرم كرام القوم.
