فضل الصبر علي الابتلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن
الله ـ تعالى ـ جعل الله الموت حتماً على جميع العباد من الإنس والجان،
وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان, كل من عليها فان, ساوى فيه بين الحر
والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير وكل ذلك بتقدير
العزيز العليم:**وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (1).
فالكيّس
من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و الحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت,
والمسلم من استسلم للقضاء والقدر, والمؤمن من تيقن بصبره الثواب على
المصيبة والضرر(2).
وأي مصيبة أعظم بعد الدين من مصيبة الموت(3)، ملأ الله ـ تعالى ـ قلوبنا صبراً، ورفقاً وتسليماً.
أخي
المسلم: كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم, وحدث مفجع, وأمر مهول مزعج, بل
هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر, وحرقة تضطرم تحترق به
الكبد ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد, لكن مع
هذا نقول:
فلرب أمـر محـزن *** لك في عواقبه الرضا
ولربمـا اتسع المضيق *** وربما ضاق الفضـا
كم
مسرور بنعمة هي داؤه, ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه, كم من خير منشور
وشر مستور, ورب محبوب في مكروه, ومكروه في محبوب قال تعالى:**وَعَسَى
أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ
شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(4).
(لو
استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور, ليس فيها
لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر, فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو
سراب, وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب, والعجب كل العجب في من يده في سلة
الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع؟!)(5)
وأعجب منه من يطلب ممن طُبع على الضر النفع.
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاء والأكدارِ
هل رأيت؟بل هل سمعت بإنسانٍ على وجه هذه الأرض لم يصب بمصيبة دقت أو جلت؟
الجواب معلوم: لا وألف لا, ولولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس كما قال أحد السلف.
ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم, واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر, ثم سقم وعافية
(أخي
إن مما يكشف الكرب عند فقد الأحبة التأمل والتملّي والتدبر والنظر في كتاب
الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, ففيهما ما تقر به الأعين,
وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله, ويمنحه لمن
صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل, فلو قارن المكروب ما أخذ
منه بما أعطى لا شك سيجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم من فوات تلك
المصيبة بأضعاف مضاعفة ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل، وكل ذلك عنده
بحكمة وكل شيء عنده بمقدار)(6).
فلنقف مع
آيات من كتاب الله عز وجل، وفي ثاني سور القرآن الكريم، وكفى بها واعظاً،
وكفى بها مسليةًً، وكفى بها كاشفةًً للكروب، ومذهبة للهموم.
قال الله **وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ**155} الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ
رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(7).
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} علاج
من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة, بل إنه أبلغ علاج
وأنفعه للعبد في آجله وعاجله، فإذا ما تحقق العبد أن نفسه وماله وأهله
وولده ملك لله عز وجل قد جعلها عنده عارية فإذا أخذها منه فهو كالمعير يأخذ
عاريته من المستعير فهل في ذلك ضير؟ لا؛ والذي رفع السماء بلا عمد(.
ثم
إن ما يؤخذ منك أيها العبد المصاب المبتلى محفوف بعدمين, عدم قبله فلم يكن
شيئاً في يوم من الأيام, وعدم بعده فكان ثم لم يكن, فملكك له متعة مستودعة
في زمن يسير ثم تعود إلى موجدها ومعيرها الحقيقي سبحانه وبحمده: **ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }(9).
فمصير
العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق, لا بد أن يخلِّف الدنيا وراء ظهره
يوماً ما, ويأتي ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا مال،
ولكن بالحسنات والسيئات نسأله حسن المآل، هل علمت هذا أخي المصاب المكروب؟
فمن امتثل أمر الله ـ تعالى ـ بالصبر على البلاء كانت مثوبة الله عز وجل له: **وَإِن
مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71}
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
جِثِيّاً}?