منتديات قبيلة المشعبة بمحايل
مرحبا بكم في منتديات قبيلة المشعبة
سجل اذا لم تكن مسجل معنا
وشكرا
منتديات قبيلة المشعبة بمحايل
مرحبا بكم في منتديات قبيلة المشعبة
سجل اذا لم تكن مسجل معنا
وشكرا
منتديات قبيلة المشعبة بمحايل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قبيلة المشعبة بمحايل

تاريخ وامجاد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» مجنون مع الناس أم عاقل وحدك
السماءو السماوه Emptyالأحد مارس 31, 2013 4:30 pm من طرف شيخ المشعبه

» ♥♥دفتر ححَضور وغغَيـآب .!
السماءو السماوه Emptyالسبت مارس 23, 2013 5:16 pm من طرف شيخ المشعبه

» تعزيه لقبيلة المشعبه
السماءو السماوه Emptyالأربعاء ديسمبر 19, 2012 4:11 am من طرف ابو تركي العسيري

» ترحيب بالعضو عذب السجايا
السماءو السماوه Emptyالأربعاء نوفمبر 21, 2012 2:03 am من طرف عذب السجايا

» بعض أدعية حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم
السماءو السماوه Emptyالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 9:22 pm من طرف دواس الظلمه

» طالت الغـــــــــيبة
السماءو السماوه Emptyالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 12:54 am من طرف عذب السجايا

» صور غريبه عجيبه
السماءو السماوه Emptyالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 12:51 am من طرف عذب السجايا

» صورة حيرت العقول
السماءو السماوه Emptyالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 12:47 am من طرف عذب السجايا

» علمتني الحياة...أن اجعل قلبي مدينة
السماءو السماوه Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2012 10:05 pm من طرف دواس الظلمه

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
منتدى

 

 السماءو السماوه

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المشعبي
المدير العـــــــــــــــام
المدير العـــــــــــــــام
المشعبي


عدد المساهمات : 921
تاريخ التسجيل : 19/09/2009
العمر : 39

السماءو السماوه Empty
مُساهمةموضوع: السماءو السماوه   السماءو السماوه Emptyالثلاثاء فبراير 15, 2011 3:11 pm

السماء والسماوة

إن سر سمو الجيل الفريد (الصحابة) هو تحررهم من كل سلطان سوى سلطان الله، فهم يعدلون بعدل الله، ويوالون الله ويعادون أعداء الله، ويزنون بميزان الله، وليس عندهم إلا الطمع في رضا الله، والخوف منه أغناهم عن رقابة البشر.

أما حاضرنا فتجد عموم الأمة -إلا من رحم الله- يتخبطون في داجية لا صباح لها، وأنزلوا أنفسهم من الأمم منزلة الأمة من الحرائر.

فلابد من الأخذ بمقومات النصر، والاستقاء من نبع الوحي، وتطبيق الكتاب والسنة، والتميز والمفاصلة، والتضحية بالدنيا الزائلة من أجل الآخرة الباقية.

سمو ماضينا وسماوة حاضرنا



الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخِرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المجاهدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ناشري لواء الدين، وعلى من تبعهم من سلف هذه الأمة وخلَفها ممن جاهد وبذل ورافق ونافح في كل وقت وحين.

معشر الإخوة والأخوات والبنين: حياكم الله وأحياكم، وأطال أعماركم، وأحسن أعمالكم، وذخراً للأمة أعدَّكم، تُعْلُون صروحها، وتضمدون جروحها، وتداوون قرُوحها، وللمِلَّة تسْمُون في سماها، وتحمون حماها، وترمون من رماها.

تحية أنفاس الرياض وشى بها نسيمُ هدوء والنواضر هُجَّعُ


فجاءت كأن المسك خالط نفحها لها في أنوف الناشقين تَضُوُّعُ


السماء والسماوة: رمزان لا خفاء.

أيها السُّماة للسماء: السماء رمز الرفعة والسمو والعلاء، والسماوة رمز الشُّقَّة والسَّموم والهلكة والتيه والبيداء، على حد قول ابن الصحراء :

وجشمها بطن السماوة قائظاً وقد أوقدت نار السموم الهواجر


فضرباً معي الليلة في بيداء السماوة بحثاً عن مراقي الشمم والإباء، وكشفاً عن أسرار ومعارج ومدارج السمو للسماء، بعون الله رب الأرض والسماء.

بيد أنه قد يطول الحديث.. ذلك أن المريض الذي يئن يأرِزُ إلى تسلية نفسه بالحديث، والطبيب مهما كان بارعاً فإن وصفه علمي، والمريض أدرى منه بمرضه وألََمِه، فلعلي أن أقف بكم على الأسباب، وأرتقي السحاب، وأصفي الحساب، وأميز القشر عن اللباب، بدليل الكتاب، وفعل النبي والأصحاب، وذوي الألباب.

فإن وفَيت فحق ذاك في عنقي وإن أقصِّر لأنتم أهل إعذار


وشتان بين السماوة والسما!

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً.......



حقيقة سماوة حاضرنا



معشر الإخوة: إن تفكيراً بعمق وحق، وإرجاعاً للبصر والبصيرة كرَّة بعد أخرى في سماوة واقعنا بعد سمو وسماء ماضينا العريق المنير؛ يجعل البصر يرتد خاسئاً وهو حسير، إذ يرى عموم الأمة دون آحادها اليوم في داجية لا صباح لها يتخبطون يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126]^ لا ينقُلون إلى الأمام قدماً مقبِلين إلا رجعوا إلى الوراء أقداماً مدبِرين، أنزلوا أنفسهم من الأمم منزلة الأَمَة من الحرائر؛ عجزت أن تتسامى لعُلاهن، أو تتحلى بحُلاهُن، فحصرت همها في إثارة غيرة حرة على حرة، وتسخير نفسها لخدمة ضرة نكاية في ضرة، أشربوا في قلوبهم الذل.. فرضوا الضيم والمهانة، واستحبوا الحياة الدنيا فرضوا بفتاتها في إسفاف وسفالة، نزل الشرف من قلوبهم بدار غريبة فلم يُقِم، ونزل الهوان من نفوسهم بدار إقامة فلم يضعن ولم يرم، يحسبون كل صيحة عليهم، ويتوهمون كل حركة من عدوهم شبحاً من الموت يهجم عليهم.

فلو أن برغوثاً على ظهر قملة يكر على الصفين منهم لولَّتِ


اتخذوا الدين قشوراً بلا لباب، وألفاظاً بلا معانٍ، وهيكلاً بلا روح.. عمدوا إلى روحه فأزهقوها بالتعطيل، وإلى وعيده وزواجره فأرهقوها بالتأويل، وإلى هدايته فموهوها بالتضليل، وإلى وحدته فمزقوها بالطرق والنِّحَل والشيع والتحزب والأباطيل، وإلى البراء من عدو الله فميَّعوه باسم التسامح والتقريب، نصَبوا من الأموات هياكل بها يفتتنون، وحولها يقتتلون، ولأجلها يتعادَون.

كعمل الكفار بالأصنامِ قد لعب الشيطان بالأحلامِ


ذُهلوا عن أنفسهم، فلم يحفلوا بحاضرهم، ولم يفكروا في مستقبلهم؛ لأنهم زعموا الغيب، والغيب لله، وصدق الله وكذبوا، ما كانت أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاضر فحسب، وما غرس شجرة الإسلام ليأكل هو وأصحابه ثمارها، بل زرعها للأولين والآخرين.

ولما بلغت الأمة هذه المرتبة الدنية طوقهم عدوهم بأطواق الحديد، فسامهم العذاب الشديد، وأخرجهم من زمرة الأحرار إلى حظيرة العبيد، فأصبحوا غرباء، في ديارهم تعساء، حظهم من الريادة والسيادة والسعادة الحظ الأوكس، وجزاؤهم فيها الجزاء الأبخس، غطَّاها سحاب الذلة؛ لأنهم أخطئوا طريق العزة، ظنوها في التقدم المادي والتقني فحسب، فذهبوا وراءها:

فإذا السفينة غارقة في أوحالها ودار ابن لقمان على حالها


نسوا أن سبيلهم للعزة عودتهم إلى الدين، كيف وقد قال رسولهم صلوات الله وسلامه عليه: {إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم }^ ففعلوا موجبات ذلهم وخذلانهم:

ما هم بأمة أحمد لا والذي فطر السماء


ما هم بأمة خير خلـ ـق الله بدءاً وانتهاء


إن يزرعوا فحصادهم يا حسرتاه كان الهواء


إن يقتلوا فقتيلهم كان المودة والإخاء


ولو استرسل المرء مع خواطره لخشي أن يُفضي به التفكير إلى أن ييأس فيضل في بيداء السماوة، فيهلك أو يُجَن فيرفع عنه القلم فيستريح، وما كلاهما مريح، وما عانٍ كمستريح:

بي منكِ ما لو غدا بالشمس مـا طَلَعَتْ من الكآبة أو بالبرق ما ومضا




أعلى الصفحة



سمو ماضينا... وأسرار السمو



ولخشية ذلك كله فإني أنقل نفسي وإياكم إلى سماء القرن الأول؛ لنقف على أسرار سموه للسماء لنقول: هذه هي المراقي فارتقِ.. هذا هو النموذج لا غيره والمثال... فصلاحه ضُرِبَت به الأمثال، وقدمت عليه البراهين، وقام غائبه مقام العيان، وخلدته بطون التواريخ، واعترف به الموافق والمخالف، ولَهَج به الراضي والساخط، وسجلته الأرض والسماء، فلو نَطَقَت الأرض لأخبرت أنها لم تشهد مذْ دحاها الله وطحاها وبراها أمةً أصلب على الحق وأهدى به من أول هذه الأمة، ولم تشهد فئةً اتحدت سرائرُها وظواهرُها على الخير مثل أول هذه الأمة، ولم تشهد مذ مهَّدها الله أمةً وحدت الله فاتحدت قواها على الخير قبل هذه الطبقة الأولى من هذه الأمة.

هذه شهادة الأرض تؤديها صامتة، فيكون صمتها أبلغ في الدلالة من نطق جميع الناطقين، ثم يشرح هذه الشهادةَ الواقعُ، ويفسرُها العيان التي لم تحجبه بضعة عشر قرناً من الزمان.

إنها حقائق تاريخية ناطقة ينبغي الوقوف أمامها في كل مكان وزمان.

فقد تنطق الأشياء وهي صوامتٌ وما كل نطق المخبرين كلامُ


لقد خرَّجَتْ تلك الدعوة جيلاً في ذلك القرن فريداً مميزاً في تاريخ الإسلام؛ بل في تاريخ البشرية جميعه.. جيلاً فريداً في تصوره.. وشعوره.. وانتمائه.. ووضوحه.. جيلاً اختاره الله لحمل رسالته، ولصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.. جيلاً جاءه الوحي على وعي، فتأسس على توحيد، وانطلق بعقيدة، وسار على منهج صحيح.

حمل فكراً سامياً لغاية أسمى.. زاده التقوى، وشعاره الجهاد، وحصنه الإيمان، وعدته الصبر، وخلقه القرآن، وقدوته سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.

أمنيته الشهادة في سبيل الله؛ ليكون الدين كله لله، وغايته تلك مع الجنة ورضوان الله، والذي لا إله إلا هو لولا النقل الصحيح المتواتر القطعي لقيل:

ذاك طيف من خيال
بل هو الشيء المحال

قد تقولون: مُحال!

ذاك ضرب من خيال

قد تقولون.. ولكني أقول:

إنها تربية السبع الطوال..!

لا محال ...

إنه هدي الكتاب

لا محال ...

فعلى وقع التلاوات تخضَرُّ التلال

لا محال ...

إنهم جيل المصاحف

لا محال ...

إنه جيل المحاريب وأساد النبال

إنهم شم الجبال

لا محال ...



والسؤال:

لِمَ لَمْ تعُد الأمة تخرِّج مثل ذلك الطراز؟!

أما إنه قد يوجد أفراد وفئة من ذلك الطراز على مدى التاريخ؛ لكنه لا يحدث أن تَجمَّع مثل ذلك العدد الضخم في مكان واحد كما وقع في القرن الأول، هذه ظاهرة واضحة ذات مدلول؛ تستحق أن نقف أمامها لعلنا نهتدي إلى السر، كما يقول سيد .

معشر الإخوة: إن قرآن تلك الدعوة في ذلك الجيل لم يزل بين يدينا محفوظاً، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه العملي وسيرته الكريمة بين أيدينا كذلك، لم يغِب سوى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا هو السر؟!

أما إنه لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتمياً لقيام هذه الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للعالمين، وما جعلها آخر رسالة لأهل الأرض أجمعين.

إن الله قد تكفل بحفظ الذكر، وبيَّن أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تؤتي ثمارها، فاختاره الله سبحانه وتعالى إلى جواره، وأبقى هذا الدين من بعده إلى آخر الزمان؛ وعلى هذا فإن غَيبة شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفسر تلك الظاهرة، فما السر إذاً مرة أخرى؟!

هل تغير النبع؟!

هل تغير المنهج الذي تربوا عليه؟!

مهما تقادم جوهر في عتقه فهو الثمين وليس يبرح جوهرا


إن السر يكمن في أمور:

خذها إليك درة من الدرر من كاتب راز الأمور وخبر




أعلى الصفحة


توحيد مصدر التلقي عند الجيل الأول



إن الصحابة رضوان الله عليهم جعلوا القرآن والسنة النبع الوحيد الذي منه يستقون وينهلون، وبه يتكيفون، وفي رياضه يتربون، وعليه يتخرجون، ما نظروا مجرد النظر إلى رواسب الثقافات العالمية التي كانت في ذلك العصر وما قبله، رغم أن بعض هذه الثقافات كانت محيطة بـالجزيرة ؛ بل كان بعضها يعيش داخل الجزيرة ، بل لم ينظروا إلى الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل... وغيرهما، وإنما اقتصروا على كتاب الله وحده، فخلُصت نفوسهم لله وحده، واستقام عودهم على منهجه وحده.

مرادهم الإله فلا رياءُ ونهجهم الكتاب فلا ارتيابُ


ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت فيهم هذا القول، ويأطرهم عليه، ويحذرهم من مصادر التلقي الأخرى، وحاله:

فيا قلب اعص كل هوى سواها ويا نفس سواها لا تطيعي
......



مصدر التلقي عند عمر بن الخطاب



روى الإمام أحمد في مسنده و الدارمي في سننه -رحمهما الله- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: {أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله! هذه نسخة من التوراة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمعر ويتغير، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: ثكلتك الثواكل يا بن الخطاب ! ألا ترى ما لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! -وفي رواية- أن عبد الله بن زيد قال: أمسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقال صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكون فيها يا بن الخطاب ؟! ألَمْ آتِكم بها بيضاء نقية؟ والذي نفسي بيده! لو بدا لكم موسى فتبعتموه وتركتموني لضللتم سواء السبيل، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني }^.

لقد كان درساً عظيماً بليغاً للصحابة ومن بعدهم، فحواه:

عُد إلى الروضة إن الغيث يهمي في روابيها ويكسوها جمالا




أعلى الصفحة



تربية النبي صلى الله عليه وسلم للجيل الأول



لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يربي جيلاً خالص القلب والعقل والتطور والشعور.. خالص التكوين من أي مؤثر غير المنهج الإلهي الذي تضمنه القرآن الكريم، كيف وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه: {تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي }^.

ولما اختلطت الينابيع، وشيبت -معشر الإخوة- والتفت الجيل إلى غير ذلك النبع الصافي، انحط وسقط وخار وبار، وصار كالحيوان الأعجم يقع على الجواهر فيدوسها برجله، لا يعلم إلا أنها من جنس ما يُداس؛ لأنها لا تؤكل، فظهرت فئة مزورة لا صلة لها بذلك النبع إلا بما لا كف لها في اسمها ولقبها، فئة ترى أنه لا نجاة للمسلمين إلا بالالتفات عن ذلك، والانغماس في ثقافة الكافر من غير قيد ولا تحفظ..

تعمل لهذا جاهدة، يُسِرُّ المسر منهم كيداً، ويُعْلِن المعلن منهم ذلك وقاحةً.. يتهارشون على وأد ذلك النبع الصافي وتجفيفه، مُجْلِبين بألسنتهم وأقلامهم، أُتْخِموا من تلك الينابيع، ثم شرعوا يتقيئونها في أذهان الجيل؛ بحجة التطوير والرقي والسمو زعموا! تعرف ذلك منهم في لحن القول، وفي مظهر العمل، وفي إدارة الكلام، يتخلل أحدُهم تخلل الباقرة، تعرفهم في اللفتات العامة، تلمحهم في أسباب معيشتهم الشخصية؛ لكنهم يتناقضون ويتهافتون، فيبتدئون من حيث انتهى سادتُهم أصحاب الينابيع المختلطة النتنة.

سادتهم يرون أن اللعب إنما يحلو بعد الجد، وأن القشور إنما يُلْتَفَت إليها بعد تحصيل اللباب، وأن الكماليات تأتي بعد الضروريات، وأن الوقت رأس مال لا يجوز تبديده في غير ما ينفع؛ لكن هذه الفئة البائسة تفعل عكس ذلك كله، وتختصر الطريق إلى اللهو لتُرْضِي شهواتها، وإلى الكماليات؛ لأن لها بريقاً هو حظ العين، وإن لم يكن للعقل منه شيء.

عصارة رأيهم في علاج حالة المسلمين تُتَرْجم في جملة واحدة هي: أن النجاة في الغرق!

فئة تلبس باسم الإسلام، وتأكل الخبز باسمه؛ لكنها لا تعمل ما يرضيه، ولا تبني ما يعليه.. ترفع العقيرة باسمه فتفضحها رطانة الأنباط، وتربط نفسها معه بمثل خيط العنكبوت فينحل الرباط، فجاءت أفكارهم فاسدة كأنتن من جيفة هدهد ميت كُفِّن في جورب مسافر أبخر في شدة القيظ لم يمسه الماء أشهراً، بل أنتن من حلتيت، وأثقل من كبريت، وأهدى إلى الضلال من دليل خِرِّيت.

يجرون الذيول على المخازي وقد ملئت من الغش الجيوب


انسلخوا من هويتهم، ولم يندمجوا في حضارة سادتهم المادية، فصاروا كالمرأة المعلقة، لا مزوجة ولا مطلقة!

فتَبَّاً وسُحقاً وهلاكاً وبُعداً في بيداء السماوة، أجمعوا أمركم ثم ائتوا صفاً، فما أنتم ببالغين من الحق إلا ما يبلغه مَن يريد أن يغطي على الشمس بكُمِّه، وهو لا يعلم أن مِن وراء كمه أرض الله الواسعة.



أعلى الصفحة


سماوة الجيل الحاضر.. ومصدر التلقي



معشر الإخوة والبنين: ولما التفتت وسائل التوجيه والتربية في الأمة إلى غير ذلك النبع الصافي ضاعت هويتها، فصارت كمن ينقش شوكة بشوكة، فتنكسر الشوكة التي استخدمت لإزالة تلك الشوكة، فتجتمع شوكة بشوكة -كما قيل-

إنك لتسمع من يقول ببلاهة وغباء وبلادة لمن يدعو إلى العودة إلى ذلك النبع الصافي.. إلى الوحي: أنتم خياليون، تعتمدون على الماضي، وتتكلون على الموتى، يستهزئ في معرض النصح، ولا ندري متى صار إبليس مذكراً!!

ومن الرزية عاهرٌ مُتَوَهَّم في الناسكين وناسكٌ في العهر


يريد أن ننسى ماضينا، حتى إذا استيقظنا من تنويمه لم نجد ماضياً نبني عليه حاضرنا، فاندمجنا في حاضره المرير، خاب وخَسِر وعُرِّي وهُرِّي، وقُطِّع وفُرِّي، وأُحْرِقَ وذُرِّي، تطوع لهذا العمل أم كُرِّي.

يا هر لو قال ليث الغاب قولكمُ لاستنكف الفار إن قالوا له أسدُ


***

فقبح وفدهم من وفد قوم ولا لُقُوا التحية والسلاما


أفرزت هذه لنا جيلاً على درجة من الضعف الخُلُقي والعقلي، يعتقد في قرارة نفسه أنه خلق خلقة الأرنب، وخلق عدوه المفتون به خلقة الأسد، وجف القلم، ولا تبديل لخلق الله:

إذا صوَّت العصفور طار فؤادُهُ وليث حديد الناب عند السرائد


يبيع دينه بعرض من الدنيا.. طلوع الشمس عنده ليل.. يلعن الشيطان ويتبع خطواته..

أقواله ألفاظ زور مالها معنى وصوت كالطبول مجوفه


ما عنده إلا البلادة والقماءة والسفاهة والخنا والعجرفه


ولا عجب! فقد جاءته وسائل التوجيه بالكفن وهو في ثياب العرس، وعرضت عليه النوائح في موكب الفرح، وأرادت علاجه من الفقر فعالجته بالفقر والجهل ومعه الذل، وحاولت علاجه من الحمى فداوته بالطاعون.. قيدته بحديد بعد أن قصت ريشه، ثم قالت له: انشد وغرد وأنى له..؟!

ما حيلة العصفور قصُّوا ريشه ورموه في قفص وقالوا غردِ!


***

إنما تطرب أذن حرة إنما يسعد قلب مطمئنْ


معشر الإخوة: ذلك الجيل استقى من النبع الصافي وحده، فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد.. إنه السماء.

وهذا الجيل استقى من ينابيع مختلطة آسنة، فهلك في بيداء السماوة، وكلٌّ يجني عواقب ما زرع.

وشتان ما بين السماء والسماوة!

هذه هي الحقيقة، فلا تلبسها ثوب زور، فلا أبطل من الباطل إلا السكوت عليه.

صرح أبن فالخير في التصريحِ قد تبرأ العلة بالتشريحِ
......


العمل بالكتاب والسنة عند الجيل الأول



ثانياً: أن ذلكم الجيل قد جعل القرآن الكريم والسنة منهج تلقٍ للتنفيذ والعمل والتطبيق، لا منهج دراسة ومتعة، كما هو حال كثير من الأجيال التي خلفت ذلك الجيل الفريد.

وما السيف من غير أبطاله! وما العين من غير إنسانها!


إن أولئك لم يكونوا يقرءون القرآن لقصد الثقافة والاطلاع وزيادة الحصيلة الفقهية فحسب! بل كان الواحد منهم يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن المجتمع الذي يعيش فيه وشأن الحياة التي يحياها.. يتلقى ذلك كله ليعمل به فور سماعه وحاله:

أنا بالله عزيز لا بعزى أو مناة


معي القرآن أتلو ه فيحيي لي مواتي


استبانت غايتي من آية في الذارياتِ


فتح هذا الشعورُ لهم من القرآن آفاقاً لم تكن لتُفْتَح لهم بغيره، ويسر لهم العمل، وخفف عنهم ثقل الأعباء والتكاليف، حوَّل مسار حياتهم إلى الاتجاه الصحيح، فحالهم:

دوى القران أيا نفوس فأوِّبي شوقاً إلى خُضُر الجنان ورددي


ولو أنهم قصدوا القرآن بشعور البحث والدراسة والاطلاع والثقافة ما كان لهم ما كان:

إن المخالب في يدَي ليث الوغى قضب وفي يد غيره أظفارُ
......



تطبيق الكتاب والسنة عند السعدين



لما تحزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح قادة المشركين على ثلث ثمار المدينة ويرجعوا، كل ذلك رفقاً بأصحابه، فاستشار السعدَين رضي الله عنهما، فقالا في غاية الاستسلام لله، والأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : {يا رسول الله! أأمر أمرك الله لا بد من العمل به فسمعاً وطاعة لله؟ أم أمر تحبه يا رسول الله! فما تحبه مقدم على كل شيء؟ أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم؛ لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله! لقد كنا وهؤلاء على الشرك بالله، والله ما يطمعون ثمرة من ثمار المدينة إلا قِرَىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا به وبك نعطيهم أموالنا؟! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين }^.. وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22]^.

هذا البيان فقل لمن قد ضل دون نقيضِهِ


صمتاً فذا أسد الكلا م فما طنينُ بعوضِهِ!




أعلى الصفحة



العمل بالكتاب والسنة عند الصديق



وها هو الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت من أمره شيئاً أن أزيغ ]]^ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]^.

إنه الصدِّيق اتخذ الله معبوده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دليله وإمامه، فرجح إيمانه.

فحفت به العلياء من كل جانبٍ كما حف أرجاءَ العيون المحاجرُ


لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بألا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: [[والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة ، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً وأعصيه ميتاً! ]]^ فأنفذه.

.................... فانقاد كُرهاً من أبى واستكبرا


ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: [[إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ]]^ فنصر الله به دين الله:

قاد السفينَ بجرأة ومهارة كالطَّود نحو مسيرة لا تُهْزَمُ


وارتدت العرب الغلاظ فأشفقتْ همم الرجال فصاح: هل مَن يفهمُ؟


والله لو منعوا عِقال نويقةٍ أدَّوه نحو المصطفى لن يَسلَموا


ومضى أبو بكر لغايته إلى أن أخضع المرتد وهو مرغمُ


هذا هو الإسلام في عليائه مُثُلٌ وأعلامٌ ودينٌ قَيِّمُ


ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وتلك سهلة بالدعوى واللسان؛ لكنها صعبة عند التحقيق والامتحان.

الرضا -معشر الإخوة-: كمال الانقياد والاستسلام لأوامر الله ونواهيه، ولو خالف المرء شيخه وطائفته ومذهبه وهوى نفسه.

مستمسكاً بعرى العقيدة تابعاً ولغير شرع الله لا يستسلمُ


لا يوقف تنفيذ قول الأوامر على قول شيخه أو طائفته؛ فإن أذنوا نفذ وقَبِل وإلا أعرض ولم ينفذ، وفوض الأمر لهم، والله لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب خلا الشرك خير له من أن يلقاه بهذه الحال. كما قال ابن القيم رحمه الله.

والحق مثل الشمس يجمل ضوؤه للمبصرين ولا يروق لأرمدِ


***

ووالله ما الأبصار تنفع أهلَها إذا لم يكن للمبصرين بصائرُ


معشر الإخوة: ذلك الجيل أسلم واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]^.

وبلا تنطع في البحث عن الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]^.

وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص الشرعي: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65]^.

شعارهم: (بِمَ أمر ربنا؟) لا (لِمَ أمر ربنا؟) فكانوا السماء، فاسلك طريقهم، فلئن سلكتَها لقد سبقت سبقاً بعيداً إلى السمو والسماء، ولئن أخذت يميناً أو شمالاً لقد ضللت ضلالاً بعيداً، وهلكت في البيداء، وشتان ما بين السماوة والسماء!



أعلى الصفحة



تطبيق الكتاب والسنة عند نساء الصحابة



تقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه أبو داود رحمه الله: { إن لنساء قريش فضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، ولا أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل منهن، لما نزل قول الله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]^ انقلب رجالُهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فما منهن امرأة إلا قامت إلى مُرْطها فاعتجرت به وغطَّت رأسها؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتاب }^.

فمن لم يكن حسنها في الحجابِ فسخريةٌ عَدُّها في الحسانِ


***

يا رُب أنثى لها دين لها أدبٌ فاقت رجالاً بلا عزم ولا أدبِ


ويـختلط الرجال والنساء في الطرق عند الـخروج من الـمسجد، فيقول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داوُد : {استأخرن.. عليكن بِحافَات الطريق }^ فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من شدة لصوقها به.

معشر الإخوة والأخوات: هذه شامة تهدى لمن بهرتهم مدنية الغرب، فصنعت لهم الصنم، وألهتم عن جلال الحرم، فلم يبق عندهم قيس يحن لليلى بين الشعاب، بل صار يتمنى أن يراها بلا حجاب، بل يشهد جمالها عارية بلا ثياب، لتصبح وتمسي في تباب، واشتبهت عندها الحمائم والصقور، والغراب بالقراب، و اليافع بالكعاب.

كأنه زَبَدٌ والبحر يقذفه والشط يأنفه والحل والحرمُ


إنها -يا فتاة الإسلام- ليست مسألة حجاب فقط، إنها عقيدة وشريعة.. إنها استسلام وتعظيم وحب لله.. إنها مسألة واحدة: أن تكوني أو لا تكوني.

هو الخبر اليقين وما سواه أحاديث المنى والترهات




أعلى الصفحة



تطبيق السنة عند ابن رواحة



يُقبل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فسمعه يوجه الأمر للواقفين: {اجلسوا، فجلس مكانه خارج المسجد، مستسلماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم حكمة ذلك الأمر، حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خُطبته وعلم بذلك، فقال: زادك الله حرصاً على طواعية الله ورسوله }^.

إن للإيمان ناس كالأسُدْ فتشبه إن من يؤمن يَسُدْ


لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، صلى معه العصر رجلٌ، ثم مر على قوم من الأنصار يصلون إلى بيت المقدس ، فقال: [[أشهد أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وُجِّه نحو الكعبة ]]^ وهم ركوعٌ فانحرفوا، ما راجعوا وما ترددوا، وما رءوسَهم رفعوا حتى امتثلوا، على مثلهم ينطبق قول الله: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]^ .

وما يستوي الفِتْن فيه الغبار وإن أشبه الكحل الأكحلُُ




أعلى الصفحة



أبو طلحة وتطبيقه لكتاب الله



وفي صحيح البخاري : أنه لما نزل قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]^ قام أبو طلحة رضي الله عنه، فقال: {يا رسول الله! إن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: بخٍ بخٍ.. ذاك مال رابح.. ذاك مال رابح! قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال: أفعل يا رسول الله }^ وحاله:

نفسي الفداء ثم أمي وأبي لصاحب المعراج أحمد النبي


تعودوا هاك، ولم يتعودوا هات، ولكل امرئ ما تعود.

عزفت أنفسهم عن قول: لا فهي لا تعرف إلا هي لك


يا حي يا قيوم فاجمعنا بهم في الخلد إنا لم تحد عن حبهم


في أواخر حياته عكف على القرآن، وبينا هو يقرأ في (براءة) قول الله: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41]^ قال لأبنائه: [[جهزوني! قالوا: نحن نغزو عنك قد عذرك الله، قال: أي بني! والله ما أرى إلا أن الله استنفرنا شيوخاً وشباناً.. فجهزوني ]]^ .

يشبه الرعدَ إذا الرعدُ رجفْ يشبه البرقَ إذا البرقُ خطفْ


جهزوه وغزا في البحر ومات فيه، فلم يجدوا له جزيرة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام أو تسعة، لم يتغير رضي الله عنه وأرضاه.

لو كان هذا الدهر شخصاً ناطقاً أثنى عليه بنثره وقصيدهِ


أو كان ليلاً كان ليلة قدرهِ أو كان يوماً كان يومي عيدهِ


***

إيهٍ إيه!

علِّم القوم نهوضاً للسما فشعار القوم كل واشرب ونَمْ


إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سواهما حُلُم.

يا مفني العمر في التفتيش عن حلم لو كان يُدرَكُ ما كان اسمه الحلما


معشر الإخوة! خير الناس ذلك القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم.

هم الرجال وقد جاءوا على قدر هم الذين إذا ما عاهدوا صدقوا




أعلى الصفحة



تطبيق السنة عند الشافعي وأحمد



سأل الإمامَ الشافعي وهو بـمصر رجلٌ عن مسألة، فأفتاه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فقال الرجل: أتقول بهذا؟ فارتَعَدَ الإمام الشافعي ، واصفر لونه، وقال: أرأيت في وسطي زناراً؟! أرأيتني خرجت من كنيسة؟! ويحك! أيُّ أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم أقل به؟! نعم! أقول به وعلى الرأس والعينين، متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به، فأشهدكم -أيها الناس- أن عقلي قد ذهب... حاله: والله يميناً براً.. لو تبرجت الآراء في بقللها، وتطامنت لي الجبال بقللها، لتفتنني عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلى رأي غيره لما رأيت لي عنه عديلاً، ولا اتخذت به بديلاً.

إذا رأيتَ الهوى في أمه حكما فحكم هنالك أن العقل قد ذهبا


أخي:

وما أحذو لك الأمثال إلا لتحذو وإن حذوت على مثالي


يختفي شيخ أهل السنة وإمام هذه الأمة أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله- في المحنة عند ابن هانئ ثلاثة أيام -أيام الواثق - ثم قال لـابن هانئ بعد ثلاثة أيام: اطلب لي موضعاً حتى أتحول إليه، فقال ابن هانئ : لا آمن عليك يا أبا عبد الله ، قال: افعل إن فعلت أفَدْتُك، قال ابن هانئ : فطلبت له موضعاً، فلما خرج قلت له: الفائدة يا إمام، قال: لقد اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول، وليس ينبغي أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء ويترك في الشدة:

فيرحم الرحمن ذلك العلمْ الزاهد العابد قمة القممْ


وفارس المعقول والمنقولِ المقتفي لسنة الرسولِ


ونشهد الله على محبتهْ جَمَعنا الله معاً في جنتهْ


هذا هو النهج الذي سما بأولئك.. إنه التلقي للتنفيذ والعمل



أعلى الصفحة



تطبيق الوحي عند الأجيال المتأخرة



ولما أخذت الأجيال المتأخرة الوحي للدارسة والمتعة خرج لنا هذا الجيل الهالك في بيداء السماوة في مجمله:

لكل جماعة فيهم إمامٌ ولكن الجميع بلا إمامِ


***

ليسوا بأحياء ولكنهم تسمعُ من أفواههم أحرفُ


وشتان ما بين السماوة والسما!

أيها الجيل: ليس بعد نبينا نبي، ولا بعد كتابنا كتاب، ولا بعد أمتنا أمة، الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وذكر لنا منه علماً وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]^ فاقصد البحر وخلِّ القنوات.

وإذا أتى نهر الله بطل نهر معقِلِ..

وفي طلعة الشمس ما يغنيك عن زُحَلِ


***

فاستذكرن آثارك الخوالدا ومجدك الفذ الصريح التالدا


واقتبس الأصول منه والسننْ ولتسمون بها الهضاب والفُننْ


وكن أخي في الرأي والإعدادِ من عصبة الزبير و المقدادِ


وشتان ما بين السماوة والسما..!



أعلى الصفحة


صدق التميز والمفاصلة مع الكفر وأهله عند الجيل الأول



فإن عبودية الله لا تسمح بموالاة أي عدو لله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ [المجادلة:22]^.

لقد تميز جيل الصحابة رضي الله عنهم عن المجتمع الجاهلي تميزاً واضحاً في كل شيء؛ ظاهراً وباطناً كما يقول سيد .

لقد كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية، ويبدأ عهداً جديداً منفصلاً كل الانفصال عن حياته الجاهلية، ويقف من كل ما عهده في جاهليته موقف الحذِر المتخوف الهائب المستريب.

متيقظاً في كل جارحة له مخصوصة قلبٌ وعينٌ تنظرُ


قد عاش عزلة شعورية كاملة بين ماضيه في جاهليته وغوايته، وحاضره في إسلامه وهدايته.. عزلة شعورية في صِلاته وروابطه الاجتماعية، حتى وهو يتعامل معهم في عالم التجارة اليومي.. انخلاع من البيئة الجاهلية وعرفها وتصوراتها، وعاداتها وتقاليدها، وانضمامه إلى المجتمع الإسلامي في ولائه وطاعته وتبعيته، في تخفف وانسلاخ من ضغط العادة والتقليد والتصور والقيم السائدة البائدة، فكان ذلك الجيل المتميز، حاله:

من كان منا فإنا منه ومن شذ رُدَّا


ليس الفتى من توارى إن الفتى مَن تصدَّى


ومن تسربل عزاً لم يستر الذل بُرْدا
......



مفاصلة عمر الفاروق للكفر وأهله



لما أسلم عمر رضي الله عنه وأرضاه قال المشركون: [[صبأت، فقال عمر : كذبتم! ولكني أسلمت وصدَّقت، فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم، وأعيى من التعب فقعد، فقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم! أحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ]]^، وحاله: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ [هود:54-55]^.

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا


الله يعلم أنا لا نحبكمُ ولا نلومكمُ ألا تحبونا


كلٌ له نية في بغض صاحبه بالله نبغضكم دوماً وتقلونا


الله أكبر! ما كان بين إسلامه رضي الله عنه وبين أن قاتلهم وقاتلوه، وقال: [[ افعلوا ما بدا لكم ]]^ إلا سويعات عديدة، وحاله:

إذا كان قلبي لا يغار لدينه فما هو لي قلب ولا أنا صاحبه


إنه التميز والمفاصلة الحاسمة مع الباطل وأهله، ورفض الالتقاء في منتصف الطريق.

إنه الفاروق الذي جاءه أبو سفيان من أشراف قومه ليشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شد عقد الحديبية ، فقال له ببراء من أعداء الله: [[أنا أشفع لكم؟! والله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ]]^ حاله: كان العيش معهم والشفاعة لهم ممكنة.

ولكنهم ركبوا مسلكاً يحيد عن الجسد المشرقِ


وقد ولي الأمر منهم رجالٌ يخالف منطقهم منطقي


نأوا عن هدى الله في نهجهم وساروا وسرتُ فلم نلتقِ


إنه على بصيرة من دينه.. واثق بمنهجه.. موقن برسالته.. لو شك الناس -جميعًا- في الحق ما شك فيه؛ لأنه يفترض أنه خلق وحده، وكلف بالحق وحده، وسيحاسب عليه وحده.

وعلى مقادير الرجال فعالهم قطع المهند تابعٌ لحديدهِ




أعلى الصفحة



ثمامة بن أثال ومفاصلته للكفر وأهله



أخرج الشيخان {أن ثمامة سيد أهل اليمامة وقع في الأسر ورُبط في سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم إساره، ثم قال: أطلقوا ثمامة ، فرغب في الإسلام، وتغيرت الصورة القاتمة التي كان يحملها عن الإسلام إلى صورة مشرقة استنارت بها بصيرته، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد وشهد الشهادتين، ثم قال: يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه ولا دين ولا بلد أبغض عندي من وجهك ودينك وبلدك، فقد أصبحت أحب الوجوه كلها، والدين كله، والبلاد كلها إلي، يا رسول الله! إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فما ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر }^.

انجلت الرغوة عن اللبن الصريح.. ولا يصح إلا الصحيح، محيت ألوان الغشاوة التي كانت مهيمنة على قلبه، فأعلن بدء تاريخ جديد يمحو به آثار ما سلف، ويتميز به ويفاصل في عزة وأنف.

رُوي أنه قدم مكة فلبى، فأخذته قريش، وقالوا: [[لقد اجترأت علينا.. والله لولا ما بيننا وبينك لقتلناك، أصبوت؟! قال: ما صبوت ولكني أسلمت لله، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ]]^. حاله:

ولقد وجدت ولاء قوم سُبةً فاجعل ولاءك للعزيز الأكرم


لم يكن بائع كلام، ولا مكثر أوهام، قام بتنفيذ التهديد، ومنع عنهم الحنطة حتى اضطروا خاضعين إلى أن يكتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ متوسلين قائلين: [[إنك تأمر بصلة الرحم، وقد قطعت أرحامنا.. قتلت آباءنا بالسيف وأبناءنا بالجوع ]]^ فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمح لهم بحمل الحنطة إلى مكة ، فامتثل وفعل، كيف ورسول الله قد أمر.

ولو تقطع جذع عن منابته ماتت على غصنها تلك العناقيدُ


مفاصلة حاسمة، وفكر نزيه، وتميز صريح، وهدىً صحيح، خاب من قال فلم يفعل، فما يفلح القائل حتى يفعل.

إنه التميز الذي جعل من ذلك الشاعر الذي كان يستعدي على المسلمين، ويسمهم بالسفه وسوء الاختيار قبل إسلامه، يستعلي على تلك الكلمات والموروثات التي كان يفاخر بها؛ قيل له بعد إسلامه: [[أنشدنا من شعرك؟ فقال: لقد أبدلني الله من الشعر الزهراوين: البقرة وآل عمران، لا أستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ]]^ تميز محسوس، وتحول ملموس، ولا يكابر في المحسوس إلا ممسوس..

قد فاته أن الهداية بلسمٌ ومذاق طعم الشهد لن يتغيرا




أعلى الصفحة



التميز والمفاصلة عند الجيل الحاضر



معشر الإخوة! ولما حاد هذا الجيل عن تلك المفاصلة والعزلة، والتميز والترفع على مبادئ ومظاهر الجاهلية، تلوث وتأثر بقدر حيدته عن ذلك النهج، فمستقل ومستكثر، فلو نظرت إلى مدن الجيل وقراه من مرقب عال، وسَبَرت حاله في مجمله؛ لم تميز بينه وبين مجتمع المغضوب عليهم والضالين إلا في بعض المظاهر والشعارات والآثار واللوحات.. لهث وراء المادة في غير اقتصاد.. اكتساب من غير احتساب.. سهر في غير طاعة.. عمل بغير نية.. تجارة في لهو عن ذكر الله.. ولاء لعدو الله.. حرفة في جهل بدين الله.. وظيفة في الإخلاص لغير الله.. أحكام في مشاقة الله.. شغلٌ في ضلالة.. قعود في بطالة.. حياة في غفلة وجهالة وشتات وفرقة. أمة لمن تتميز.

فهي والأحداث تستهدفها تعشق اللهو وتهوى الطربا


أمة قد فت في ساعدها بغضُها الأهلَ وحبُّ الغُرَبا


***

أمتي من بعد طول الـ ـنوم صارت غفلويه


صدَّقت كل خِداعٍ من غوي وغوية


واستكانت لخداع الذْ ئب من غير رويه


نزلت من حصنها العا لي إلى أرض دنيه


لترى ما لدى النا صح من دنيا هنيه


ثم جاء الذئب فانقـ ضَ بأنياب قوية


كيف ينقض عليها؟ كيف يرميها ضحيه؟


وكتاب الله يهديـ ـها ألا هيا إِلَيَّه


كيف تمسي بخبيث الـ ـمكر لقمات هنيه


فرأى تقسيم أوصا لٍ لها في الجاهليه


ورمى أقوامها الكُثْـ ـر بداء الفوضويه


وبأفكار زُيوفٍ محدثات زخرفيه


بقي الحصن ولا حرْ اس يحمون الرعيه


ضحك الباغي عليها بأخاديع ذكيه


فاستجابت بغباء عمل الشاة الضحيه


ساقها الجزار للذ بح إلى أرض قصيه


وقف الباغي ينادي الـ ـقوم هل ثم بقيه؟


سوف لا أترككم إلْا شقياً أو شقيه


هذه روح القضية هل سنصحوا للبليه؟


بِمَ نصحو؟

بكتاب الله والسنْـ ـنَة والأيدي القويه


بولاءٍ وبراءٍ ومبادٍ عقديه


وجيوش تهزم البا غي وتسقيه المنيه


وعلى هذا! فلن تستقيم قيم الإسلام إلا بتميز ومفاصلة وبراءة، واستعلاء على القيم المنحرفة واعتزال لها، وعدم تعديل قيمنا وتصوراتنا لتلتقي معها على أي حال كان، وما يلقاها إلا الصابرون...

إنه الوقوف والصمود بوجه المجتمع المخالف، والمنطق السائد، والأفكار والتصورات، والانحرافات والنزوات، والواقف قد يشعر بالوهن ما لم يأوِ إلى ربه ومولاه..

واللهُ لن يترك المؤمن وحيداً حين يعلم صدقه يواجه الضغط، وينوء بالثقل، ويهزه الوهن: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11]^.

إن أعداء الله ومبادئهم كذوات السموم؛ نحن معها على افتراق وبراء وعداء حتى يدخلوا في ديننا.

هل لمحتم طيبة من حيةٍ؟! أو لمستم رقة من عقربِ؟!


إنَّا حين نسايرها ولو خطوة واحدة فإنا نفقد الطريق إلى العلياء، ونتيه في بيداء السماوة أذلاء، وحين نتميز ونفاصل ولا نلتقي إلا على نبع الوحي الصافي نكون بحق أجلاء الرفعة والعلاء، وأهل العطاء والسمو للسماء.

وشتان ما بين السماوة والسما..!



أعلى الصفحة


معرفة المنهج الصحيح لمنزلة الدنيا من الآخرة عند الجيل الأول



علموا أن لذة الآخرة أعظم وأدوم وألَمَها كذلك، ولذة الدنيا أصغر وأحقر وألَمَها كذلك، فتركوا أدنى اللذتين لتحصيل أعلاهما، واحتملوا أيسر الألمين لدفع أعلاهما.. حسموا في قلوبهم كل أرجحة ولجلجة بين قيم الدنيا والآخرة.. خلَّصوا قلوبهم من وشيجة غريبة تحول بينهم وبين التجرد لله، والخلوص له وحده دون ما سواه، وحال أحدهم:

بما في فؤادي يبوح الفمُ ويجهل غير الذي أعلمُ
......



حقيقة الدنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم



نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هن من البشر، ولهن مشاعر البشر على فضلهن وكرامتهن وقربهن من ينابيع النبوة.. لما رأين السعة والرخاء بما أفاء الله على رسوله وعلى المؤمنين؛ راجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر النفقة، فلم يستقبل هذا الأمر بالرضا؛ لأنه كان يريد أن تظل حياته وحياة من يتصلون به على أفق سامٍ وضيءٍ، مبرئاً من كل ظل للدنيا وأوشابها، لا لحرمة السعة؛ ولكن للاستعلاء على جواذب الأرض الرخيصة.

يشقى الحريص أبداً بحرصه لو شرب الأنهار طراً ما ارتوى


لو ابتنى فوق الثريا سكناً هوى به الحرص إلى جوف الثرى


احتجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: طلق نساءه حين اعتزلهن، وأنزل الله آية التخيير، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:28-29]^ بدأ صلوات الله وسلامه عليه بأحب نسائه إليه عائشة ليُعْلَم أن محبة الله فوق كل محبة، فتلا عليها الآية، وقال: {لا تعجلي حتى تستأمري أبويكِ، فقالت: أفيك أستأمر أبوي يا رسول الله؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة }^ فما عرض على امرأة غيرها من نسائه إلا اختارت الله ورسوله والدار الآخرة.

تالله ما عقل امرؤٌ قد با ع ما يبقى بما هو مضمحل فانِ


***

ليس من يجعل العقيدة نهجاً كالذي ينتمي إليها شعارا


هذا هو الميزان الدقيق في نفوس الأصحاب، استمدوه من كتاب الله وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاشوه في واقع حياتهم، فحُقَّ لهم أن يسودوا ويقودوا.

فيوماً على نجد وغارات أهله ويوماً بأرض ذات شَت وعرعرٍ


صح عند مسلم عن جابر رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس حوله، فوجد جدياً أسك ميتاً، فتناوله بأصل أذنه، ثم قال: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ والله لو كان حياً لكان عيباً فيه أنه أسك فكيف وهو ميت؟! فقال صلى الله عليه وسلم: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم }^.

هكذا يا معشر الإخوة! رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزهد في الدنيا والرغبة في الأخرى، فتركهم من بعده جبالاً شُمَّاً، كلٌّ يسير مفرداً كأمة.

هادر كالأسد الزائر مرغٍ مزبدُ لهب ملتهم محتدم متقدُ


والله لأن تؤخذ المدية، فتوضع في حلق أحدهم لتنفذ من الجانب الآخر؛ أهون عنده من أن تكون الدنيا مقدَّمة على الآخرة، وهي عند الله أهون من جناح بعوضة. وحاله:

لا أشرئب إلى ما لم يكن طمعاً ولا أبيت على ما فات حسرانا


***

ليس الوقوف على الأبواب من خلقي ولا التمسح بالأعتاب من عملي




أعلى الصفحة



أبو عقيل الأنصاري وإيثاره الآخرة على الدنيا



لما كان يوم اليمامة ، واصطف الناس، وبدأ القتال، رُمِي أبو عقيل الأنصاري رضي الله عنه بسهم فوقع بين منكبه وفؤاده في غير مقتل، فأُخْرِج السهم ووهن له شقه الأيسر، وجُرَّ إلى الرَّحْل، ولما حمي القتال وانهزم المسلمون في أول المعركة، وهو واهن من جرحه، سمع معن بن عدي يصيح: [[يا للأنصار، الله.. الله.. والكرة على عدوكم، يقول ابن عمر رضي الله عنهم: فنهض أبو عقيل يريد قومة، فقلت: ما تريد.. ما فيك قتال؟! قال: قد نوَّه المنادي باسمي يا ابن عمر ، فقال ابن عمر : إنما يقول: يا للأنصار! ولا يعني: الجرحى، فقال أبو عقيل : لقد نوَّه المنادي باسمي وأنا من الأنصار، ولا والله الذي لا إله إلا هو لأجيبنه ولو حبواً ... ]]^.

إن الطيور وإن قصصت جناحهاتسمو بفطرتها إلى الطيرانِ


يقول ابن عمر : [[... فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف باليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كرة كيوم حنين.. كرة كيوم حنين، يا خيل الله اثبتي، وبالجنة أبشري ... ]]^ .

يتقدم الصفوف محرضاً والحرب تقذف تياراً بتيارِ


***

كالماء أعذب ما يكون وإنه لأشد ما يصبو على النيرانِ


يقول ابن عمر : [[... فنظرت إليه وقد قطعت يده المجروحة من المنكب ووقعت على الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها خلصت إلى مقتل، وهو صريع في آخر رمق، وقد هزم الله عدوه ونصر جنده، فوقفتُ عليه، وقلت: أبا عقيل فقال بلسانٍ ملتاث: لبيك! لمن العاقبة؟ قلت: أبشر قد قُتِل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ثم لقي الله ... ]]^ .

صامتاً ليس يطيل الكَلِمَا وهو بالصمت يربي الأمما


***

فلولا احتقار الأسد شبهتها به ولكنها معدودة في البهائمِ


***

ما كان للزهرات لولا أنها هتكت حجاب الكُم أن تتوردا


قد قيدوك فما أطقت قيودهم والحر يأبى أن يعيش مقيدا


علم أن الدنيا بأسرها قليلة، وبقاءها من أولها إلى آخرها قليل، ونصيبه من هذا القليل قليل، ورأى غيره يبذل روحه ليظفر بقدر قليل من هذا القليل في بقاء قليل، فبذل أعز ما يبذله.. نفسَه، وحالُه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]^ .

لم يدخر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mashabah.ahlamontada.net
الاسطورة
نائب المدير
نائب المدير



عدد المساهمات : 531
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
العمر : 43

السماءو السماوه Empty
مُساهمةموضوع: رد: السماءو السماوه   السماءو السماوه Emptyالثلاثاء فبراير 15, 2011 11:22 pm



الف شكر اخوي على الطرح الاكثر من رائع وجزاك الله الف خير وجعلها في ميزان اعمالك

والله لا يحرمنا جديدك ( هنا انتصف ....)

تقبل مروي







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السماءو السماوه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قبيلة المشعبة بمحايل :: القسم الإســــــلامي :: المنتدى الديني-
انتقل الى: