قال المتنبي في صباه يمدح أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أوس بن معن بن الرِضّا الأزدي
**أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ وجوى يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ
يقول لي سهادٌ بعد سهاد وعلى أثر سهاد ومثلي ممن كان عاشقا يسهد لامتناع النوم عليه وحزن يزيد كلَّ يومٍ عليه
ودمع يسيل ويقال رقرقت الماء فترقرق مثل أسلته فسال
**جهدُ الصبابة أن تكون كما أرى عينٌ مسهدةٌ وقلبٌ يخـفـقُ
الجهد المشقة والصبابة رقة الشوق يقول غاية الشوق أن تكون كما أرى ثمّ فسره بباقي البيت
**ما لاحَ بَرقٌ أو ترنمَ طائرٌ إلا انثنيتُ ولي فؤادٌ شيقُ
الشيق كالجيد والهين ومعناه أن قلبي يشوقني إلى أحبتي ووزنه فيعل
وهو كثيرٌ مثل الصيب والسيد ولمعان البرق يهيج العاشق ويحرك شوقه إلى أحبته لأنه يتذكر به ارتحالهم (للنجعة)
وفراقهم ولأن البرق ربما لمع من الجانب الذي هم به
وكذلك ترنم الطائر وذكرهما بهذا المعنى كثيرٌ في اشعارهم(اي العرب)
**جربتُ من نارِ الهوى ما تنطفي نارُ الغضا وتكلُّ عما تحـرقُ
يقول جربت من نار الهوى نارا تكل نار الغضا عما تحرقه تلك النار وتنطفىء عنه ولا تحرقه يريد أن نار الهوى
أشدّ إحراقاً من نار الغضا وهو شجرٌ معروفٌ يستوقد به فتكون ناره أبقى
**وعذلتُ أهلَ العشقِ حتّى ذُقْـتُـهُ فعجبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ
يذهب في هذا البيت إلى أنه من المقلوب(من ابواب التشبيه في البلاغة التشبيه المقلوب)
على تقدير كيف لا يموت من يعشق يعني أن العشق يوجب الموت لشدته وإنما يتعجب ممن يعشق ثم لا يموت
وإنما يحمل على القلب ما لا يظهر المعنى دونه
وقال بعض من فسر هذا البيت لما كان المتقرر في النفوس أن الموت في اعلا مراتب الشدة قال لما ذقت العشق
وعرفت شدته عجبت كيف يكون هذا الأمر المتفق على شدته غير العشق
**وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيرتهم فلقيتُ فيه ما لقوا
يقول لما ذقت مرارة العشق وما فيه من ضروب البلاء عذرت العشاق في وقوعهم في العشق وفي جزعهم
وعرفت أني أذنبت بتعييرهم بالعشق فابتليت بما ابتلوا به ولقيت في العشق من الشدائد ما لقوا
**أبنى أبينا نحن أهل منـازلٍ أبداً غرابُ البينِ فينا ينعق
يجوز أن يكون هذا نداءً لجميع الناس لأن الناس كلهم بنوا آدم ويجوز أن يريد قوما
مخصوصا إما رهطه وقبيلته يقول نحن نازلون في منازلٍ يتفرق عنها أهلها بالموت وإنما ذكر غراب البين لان
العرب تتشاءم بصياح الغراب يقولون إذا صاح الغراب في دارٍ تفرق أهلها وهو كثيرٌ في اشعارهم
والأمر في غراب البين اشهر وقد انتقل أبو الطيب من النسيب إلى الوعظ وذكر الموت ومثل هذا يستحسن في المراثي لا في المدائح
**نبكي على الدنيا وما من معشرٍ جمعتهمُ الدنيا فلم يتفـرقـوا
يقول نبكي على فراق الدنيا ولا بد لنا منه لأنه لم يجتمع قوم في الدنيا إلا تفرقوا لأن عادة الدنيا الجمع والتفريق
**أين الأكاسرة الجبابـرةُ الأولـى كنزوا الكنوزَ فما بقينَ ولا بقوا
الاكاسرة جمع كسرى على غير قياس وهو لقب لملوك العجم والجبابرة جمع جبار والأولى بمعنى الذين
ولا واحد لها من لفظها يقول تحقيقا لفقدهم أي هم الذين جمعوا الأموال لم يبقوا هم ولا أموالهم
**من كلِّ من ضاقَ الفضاءُ بجيشهِ حتى ثوى فحواهُ لحدٌ ضـيقُ
من في أول البيت للتفسير يقول اولائك الذين ذكرناهم من كل ملك كثرت جنوده حتى ضاق بهم الفضاء
وثوى أقام في قبره فجمعه لحد ضيق يعني انضم عليه اللحد بعد أن كان الفضاء يضيق عنه
**خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلالٌ مطلقُ
يريد أنهم موتى لايجيبون من ناداهم كأنهم يظنون أن الكلام محرم عليهم لا يحل لهم أن يتكلموا
ولو قال خرس إذا نودوا لعجزهم عن الكلام وعدم القدرة على النطق كان أولى وأحسن مما قال
لأن الميت لا يوصف بما ذكره
**فالموت آتٍ والنفوسُ نفائسٌ والمستغر بما لديهِ الأحمقُ
يقول الموت يأتي على الناس فيهلكهم وإن كانت نفوسهم نفيسة عزيزة والنفيس الشيء
الذي ينفس به أي يبخل به والمستغر المغرور يعني أن الكيس لا يغتر بما جمعه من
الدنيا لعلمه أنه لا يبقى ولا يدفع عنه شيئاً ومن لم يعلم هذا فهو أحمق وروى عليّ بن حمزة
والمستعزّ أي الذي يطلب العز بماله فهو الأحمق
**والمرءُ يأملُ والحياةُ شهـيةٌ والشيبُ أوقرُ والشبيبةُ أنزقُ
يقول المرء يرجو الحياة لطيب الحياة عنده والشهية المشتهاة الطيبة من شهى يشهى وشها يشهو إذا اشتهى
الشيء فهي فعيلة بمعنى مفعولة والشيب أكثر وقارا والشبيبة وهي اسمٌ بمعنى الشباب انزقُ أخفّ
وأطيش ويريد صاحب الشيب أوقر وصاحب الشبيبة انزق والإشارة في هذا إلى أن الإنسان يكره الشيب
وهو خير له لأنه يفيده الحلم والوقار ويحبّ الشباب وهو شرّ له لأنّه يحمله على الطيش والخفّة
**ولقد بكيتُ على الشبابِ ولمتي مسودةٌ ولماءِ وجهي رونـقُ
حذراً عليه قبلَ يومِ فـراقـهِ حتى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ
أي لكثرة دموعي كاد يشرق بها جفني أي يضيق عنها يقال شرق بالماء كما يقال غصَّ بالطعام وإذا شرق جفنه
فقد شرق هو ولذلك قال اشرق ويجوز أن يغلبه البُكاء فلا يبلعه ريقه ويكون التقدير بسبب ماء جفني اشرق بريق
**لم يخلقِ الرحمن مثل محمدٍ أحداً وظني أنه لا يخلـقُ
أي إذا كان الله تعالى لم يخلق له مثلا كان طلب مثله محالا
**يا ذا الذي يهبُ الكثير وعنده أني عليه بأخذهِ أتصـدقُ
أي يعتقد أني إذا أخذت هبته فقد تصدقت بها عليه ووهبتها له فهو متقلد المنة بذلك
ويوجب لي الشكر والتصدق اعطاء الصدقة وقال الله تعالى وتصدق علينا
**أمطر على سحابَ جودك ثرةً وأنظر إليّ برحمةٍ لا أغرقُ
الثرة الغزيرة الكثيرة الماء من الثرارة وقال عنترة، جادت عليه كلُّ عينٍ ثرةٍ، فتركن كل قرارةٍ كالدرهمِ،
يقول اجعل سحاب جودك ماطراً على مطرا غزيرا ثم ارحمني بان تحفظني من الغرق كيلا أغرق في كثرة مطرك
**كذب ابنُ فاعلةٍ يقولُ بجهلـهِ مات الكرام وأنت حيٌّ ترزقُ
كنى بالفاعلة عن الزانية يقول كذب من قال أن الكرام قد ماتوا ما دمتَ في الأحياء مرزوق
ويروى ترزق بفتح التاء أي ترزق الناس تعطيهم أرزاقهم والأول اجود لأنه يقال حيٌّ يرزق وذلك أنه
ما دام حيّا كان مرزوقا لان الرزق ينقطع بالموت
هذه بعض مااعجبني من ابيات القصيده
المرجع:
ديوان المتنبي دار الجيل بيروت
ديوان المتنبي للمعري
ديوان المتنبي للواحدي
المشعبي