وتحقق أنّكَ عن قريبٍ راحل !!
--------------------------------------------------------------------------------
أيـــن أربابُ المــناصــب؟!
أبـادهـم المـوتُ المُناصب!
أين المتجبّرُ الغاصِب؟
أذلّهُ عذابٌ واصب!
لفّت والله الأكفانُ كالعصائب على تلك العصائب !
وحلّتْ بهم آفات المصائب إذ حلَّ بلُبّاتهم سهم صائب!
فيامن يأمن هذه النوائب ؟!!
أحاضر أنت أم غائب؟!
كم عاصٍ بات في ذنوبه ، ويتقلّب على فراشه من عيوبه ؟!
مزمارٍ مِزهرٍ ومُسكِرٍ ومُنكر ...
فجاءه الموتُ فُجاءة ... ؛
فأنساهُ ولده ونساءه !
وجلب مساؤه ماساءه !
فنُقل إلى اللّحدِ ذميما ، ولقي من غب المعاصي أمراً عظيماً !
المدهش 334
فهلاّ وقفة؟!
يا معرضاً عمّا يُرادُ به ... وقد جدّ المسير فمنتهاهُ دانِ
جذلان يضحك آمنا متبختراً... فكأنّما نال عقد أمان
خلع السّرور عليه أو في حلة...طردت جميعَ الهمّ والأحزان
يختالُ في حلل المسرّة ناسياً... مابعدها من حلّة الأكفان
أفِق من سكرتِك أيّهــا الغافل ..
وتحقق أنّكَ عن قريبٍ راحل !!
فإنّما هيَ أيــّــامٌ قلائل ! ... ؛ فخذ نصيبك من ظلّ زائل !
واقض ما أنتَ قاضٍ ، وافعل ما أنتَ فاعل !!
أفِق من سكرتِك أيّهــا الغافل ..
وتحقق أنّكَ عن قريبٍ راحل !!
فإنّما هيَ أيــّــامٌ قلائل ! ...
ابكِ على نفسِكَ قبل أن يُبكى عليك !!
وتفكّر في سهمٍ صُوِّب إليك!!
وإذا رأيتَ جنازةً ؛ فاحسبها أنتَ !!
وإذا عاينتَ قبراً ؛ فتوهّمهُ قبركَ !!
وعُدَّ باقي الحياةِ رِبحا !
فوا أسفااه ، وواحسرتااه !!
كيف ينقضي الزّمان ، وينفد العمرُ ؛ والقلبُ محجوبٌ ، ما شمَّ لهذا رائحة !!
وخرجَ من الدّنيا كما دخل فيها ؟!
وما ذاقَ أطيبَ ما فيها !!
بل عاشَ فيها كالبهائمِ ، وانتقلَ منها انتقالَ المفاليس ، فكانت حياتُه عجزاً ، وموتُه عمداً ،
ومعادُه حسرةً وأسفا !!
أما تذكرُ ساعةً يعرقُ لهولها الجبين ؟!!
وتخرس من فجأتها الألسن ؟!!
وتقطر قطرات الأسف من الأعين !!
فتذكّروا -رحمكم الله- فالأمرُ شديد !!
وبادروا بقيّة أعماركم ؛ فالنّدمُ بعد الموتِ لا يفيد !!
يا أيّها الملفوف غدا في أكفانه !!
النّازلُ في حفرته !!
الّذي ينساهُ أحبّتُهُ ، وقد كان سعيُهُ لهم !!
قال الألبيريُّ - رحمهُ اللّه - :
تفتُّ فؤادك الأيّامُ فتّا ... وتنحِتُ جسمَكَ السّاعاتُ نَحتا
وتدعوكَ المنونَ دعاءَ صدقٍ ... ألا يا صاحِ أنتَ أريدُ أنتَ
أراكَ تُحبّ عِرساً ذاتَ غِدرٍ ... أبتَّ طلاقَها الأكياسَ بتَّا
تنامُ الدّهرَ ويحكَ في غطيطٍ... بها حتّى إذا مِتَّ انتبهتا ؟!
قال الحسن البصري :
" يا ابن آدم إنّما أنتَ أيّام ، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك ، ويوشكُ إذا ذهبَ البعض أن يذهبَ الكُل ، وأنت تعلم فاعمل !
يا صاحب الخطايا أين الدموع الجارية ؟!!
يا أسيرَ المعاصي ، ابكِ على الذّنوب الماضية !!
أسفاً لك ؛ إذا جاءك الموت و ما أنَبْت !!
وااحسرةً لك ؛ إذا دُعيت إلى التّوبة فما أجبتَ !!
كيف تصنعُ إذا نُوديَ بالرّحيل و ما تأهَّبتَ !!
ألستَ الّذي بارزتَ بالكبائرِ وما راقبتَ ؟!!
سلوا القبور عن سكانها !!
و استخبروا اللحود عن قطانها ؛ تخبركم بخشونةالمضاجع !!
و تُعلمكم أنّ الحسرة قد ملأت المواضع !!
و المسافر يودُّ لو أنّه راجع !!
فليتعظ الغافل و ليراجع !!
إلى كَم أَنتَ في بَحرِ الخَطايا... تُبارِزُ مَن يَراكَ وَلا تَراهُ ؟
وَسَمتُكَ سمَتُ ذي وَرَعٍ وَدينٍ ... وَفِعلُكَ فِعلُ مُتَّبَعٍ هَواهُ
فَيا مَن باتَ يَخلو بِالمَعاصي ... وَعَينُ اللَهِ شاهِدَةٌ تَراهُ
أَتَطمَعُ أَن تـنالَ العَفوَ مِمَّن ... عَصَيتَ وَأَنتَ لم تَطلُب رِضاهُ ؟!
أَتـَفرَحُ بِـالذُنـوبِ وبالخطايا ... وَتَنساهُ وَلا أَحَدٌ سِواهُ !
فَتُب قَـبلَ المَماتِ وَقــَبلَ يَومٍ ... يُلاقي العَبدُ ما كَسَبَت يَداهُ !
قال مالك بن دينار رحمه الله : أتيتُ المقابرَ يوماً لأنظرَ في الموتِ وأعتبر ، وأتفكّر فيها ، وأنزجر
فأنشدتُ أقول :
أتيتُ المقابرَ ناديتُها ... فأينَ المعظّم والمفتخر
وأين المدل بسلطانه ... وأين العزيز إذا ما قدر ؟!
وأين الملبّي إذا ما دعا ... وأين المزكي إذا حضر ؟!