--------------------------------------------------------------------------------
مصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم [/]وميراثه
من المعلوم يقينا أن محبة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، محبة كاملة من أعظم درجات الإيمان الصادق ، ولهذا قال ، صلى الله عليه وسلم ، ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) رواه البخاري ومسلم. فإذا فقد الإنسان أهله أو والده أو ولده لا شك أن هذه مصيبة عظيمة من مصائب الدنيا ، فكيف إذا فقدهم كلهم جميعا في وقت واحد.؟
ولا شك أن مصيبة موت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أعظم المصائب على المسلمين ؛ ولهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : فتح رسول الله ، صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس ، أو كشف سترا فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر ، فحمد الله على ما رآه من حسن حالهم ، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم ، فقال ( يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري ؛ فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي ) أخرجه ابن ماجة.
وعن أنس رضي الله عنه قال ( لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن رسول الله الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وعن أنس رضي الله عنه قال ( قال أبو وبكر رضي الله عنه ـ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لعمر : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، يزورها، فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها : ما يبكيك ؟ فما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم . قالت : إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها .
وما أحسن ما قال القائل :
اصبــر لكل مصيبــة وتجلــد واعلم بأن المرء غير مخلد
فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
وخلاصة القول: أن الدروس والفوائد والعبر المستفادة من هذا المبحث ككثيرة ومنها :
1) موت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون .
2) إنكار الصحابة قلوبهم بعد موت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لفراقهم نزول ا لوحي وانقطاعه من السماء .
3) النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أحب إلى المسلمين من النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، وقد ظهر ذلك عند موته بين القريب والبعيد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بل وجميع المسلمين .
4) محبة الصحابة للإقتداء والتأسي برسول الله ،صلى الله عليه وسلم ، في كل شيء من أمور الدين حتى في زيارة النساء كبار السن ، كما فعل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
المبحث الرابع عشر : ميراثه صلى الله عليه وسلم
عن عمر بن الحارث رضي الله عنه قال : (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته : درهما ، ولا دينارا ، ولا عبدا ، ولا أمة ، ولا شيئا ، إلا بغلته البيضاء ـ التي كان يركبها ـ وسلاحه ، ـ وأرضا بخيبر ، جعلها لابن السبيل صدقة . ، رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) رواه البخاري ، وذلك لأنه لم يبعث صلى الله عليه وسلم جابيا للأموال وخازنا ، إنما بعث هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه ، وسراجا منيرا ، وهذا هو شأن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) رواه أبو داود وابن ماجة.
وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك ، فعن سليمان بن مهران : بينما ابن مسعود رضي الله عنه يوما معه نفر من أصحابه إذ مر أعرابي فقال : على ما اجتمع هؤلاء؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه ( على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم يقسمونه ).
فميراث النبي صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة ؛ ولهذا توفي صلى الله عليه وسلم ولم يترك درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا بعيرا ولا شاة ولا شيئا ، إلا بغلته وأرضا جعلها صدقة لابن السبيل .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ( توفي النبي ، صلى الله ع ليه وسلم ، ودرعه مروهنة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير ) رواه الشيخان ،وهذا يبين أن النبي ، صلى الله عليه وسلم كان يتقلل من الدنيا ، ويستغني عن الناس ؛ ولهذا لم يسأل الصحابة أموالهم أو يقترض منهم ؛ لأن الصحابة لا يقبلون رهنه وربما لا يقبضوا منه الثمن ، فعدل إلى معاملة اليهودي ، لئلا يضيق على أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يصيبه الجوع وهو حي ؛ ولهذا يمر ويمضي الشهر والشهران وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، قال عروة لعائشة رضي الله عن الجميع : ما كان يقيتكم ؟ قالت (الأسودان : التمر والماء ) رواه البخاري. ومع هذا كان يقول صلى الله عليه وسلم ( مال وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها ) رواه أحمد .
وخلاصة القول : أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة منها :
1) الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا لجمع الأموال وإنما بعثوا لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ ولهذا لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما وورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
2) زهد النبي ،صلى الله عليه وسلم ، في الدنيا وحطامها الفاني ؛ وإنما هو كالراكب الذي استظل تحت شجرة ثم راح وتركها .
3) استغناء النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن سؤال الناس فهو يقترض ويرهن حتى لا يكلف على أصحابه ؛ ولهذا مات ودرعه مرهونة في ثلاثين صاعا من شعير .
4) شدة الحال وقلة ما في اليد عند النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولهذا يمضي الشهر والشهران ولم توقد في أبياته نار ، وإنما كان يقيتهم الأسودان.
فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار ، وأسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من أتـباعه المخلصين ، وأن يحشرنا في زمرته يوم الدين .