الحمد لله رب العالمين ، ولاعدوان إلا على الظالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين من الكفار والمنافقين ، وعلى آله وأصحابه حماة الدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أيها المسلمون: ، إن من علاماتِ الإيمانِ الظاهرة التي يتحلى بها كلُّ مسلم ،تعظيمُ شعائر الله وحرماته
الاستهزاءِ بالدين وبشرائِعه وبحملته والمتمسكين به ، فإن هذا أمرٌ خطير، ومنكرٌ عظيم ، يجب اجتنابُه والتوبُة منه،لأنه يقدح في الإيمان بل في الإسلام والتوحيد ، ويتبين خطره فيما يلى :
أولاً : إعلم وفقني الله وإياك لمرضاته والبعدِ عن غضبه ومسخطاتِه ، أن الاستهزاءَ بالدين وبأهلِه ناقضٌ من نواقض الإيمان، وكفرٌ بالله وبرسوله وبدينه ، وهذا الحكم لم يحكم به البشر من قبل أنفسهم ، وليس هو مجال للاجتهاد، بل هو نصُّ كلام رب البشر المولى جل وعلا إذ يقول في محكم التنزيل
:{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }
فتأمل رعاك الله في قوله { لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } كيف صرح بهذا الحكم الواضح الذي لا لبس فيه فمن وقع في مثل ما وقعوا فيه فحكمه حكمهم، فما بالك فيمن وقع في أشدَّ من ذلك من أنواع الاستهزاء بالدين وشرائعِه وأحكامِه وحملتِه وهذا يبينه :
ثانياً : أن سبب نزول هذه الآية يبين أن الكلامَ الذي تفوه به بعضُ المنافقين هو في نظر كثير من الناس أمرٌ هين، ولا يتصور أحد أنه يصل إلى حدِّ الكفر والخروجِ من الملة ولكن هذا حكم رب العالمين الذي أنزله على رسوله الكريم ، وإليك سبب النزول وتدبره وقارن كلام من أنزلت الآيات بشأنه بكلام بعض السفهاء ومن لا خلاق لهم ممن وقعوا في مثل هذا الناقض في زماننا تجدُ البون الشاسع ،وأن سفهاءَ زماننا وقعوا في أشدَّ وأعظمَ مما وقع فيه المنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً : ما رأيت مثل قرأئنا هؤلاء ، أرغب بطونا ، و لا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء ، فقال رجل في المسجد : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن ، قال عبدالله بن عمر : وأنا رأيته متعلقاً بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " يا رسول الله ،إنما كنا نخوض ونلعب " ورسول الله يقول :
{ أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }"أ.هـ
ثالثاً: أن الاستهزاءَ بالدينِ وشرائعِه وشعائرِه وحملتِه من العلماءِ والصالحين هي من أخصِّ وأظهرِ صفات المنافقين كما قال ذلك الصحابي للمستهزء :
(كذبت ولكنك منافق ) والله عزوجل بين لنا أن نتعرف عليهم بلحن قولهم ، وبين لنا أنهم يغيضهم الطهرُ والعفافُ والنقاءُ والصفاءُ ولا يطيب لهم العيش إلا في المستنقعات القذرة كما قال جل وعلا : { والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقون هم الفاسقون}
،وهذه الآيات جاءت عقب الآية التي ذُكرفيها حكمُ المستهزأ بالدين وبالله وآياته ورسوله لتدل على أنها أخصَّ صفاتهم .